صورة قديمة لاحد ميادين الاسكندرية alexandria
صورة قديمة لاحد ميادين الاسكندرية
مدينة الإسكندرية فى العصر الفاطمى
الدولة الفاطمية دولة وخلافة شيعية إسماعيلية قامت فى المغرب الأدنى على أكتاف المغاربة من قبائل بربر كتامة وصنهاجة فى أواخر القرن الثالث الهجرى وبسطت نفوذها على معظم أنحاء المغرب العربى الكبير وعلى العديد من الجزر الغربية فى البحر المتوسط مثل صقلية ومالطة وأتجهت أبأبصارها شرقاً نحو أمتلاك مصر لما تمتاز به من موقع جغرافى فريد فى قلب العالم العربى
وقد بدأت حملات الفاطميين على حدود مصر الغربية منذ أيام خليفتهم الأول عبد الله المهدى وولده محمد القائم
أرسل الفاطميون ثلاث حملات لغزو مصر
1- الأولى : سنة 301 هـ / 913 م 2- الثانية : سنة 307 هـ / 917 3- الثالثة : سنة 324 هـ / 936 م
وقد فشلت هذه الحملات الثلاث لأن الخلافة العباسية فى ذلك الوقت كانت من القوة بحيث تستطيع أن تصد تلك الحملات ثم شغل الفاطميون عن غزو مصر بسبب الثورة الداخلية التى قام بها الخوارج بقيادة أبى يزيد الخارجى وأتباعه الزناتيين
وفى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله أبى تميم معد ( 341 – 365 هـ / 952 – 975 م ) قام الفاطميون بمحاولة رابعة ناجحة لغزو مصر بقيادة جوهر الصقلى نتيجة لضعف الخلافة العباسية فى ذلك الوقت . خرج الجيش الفاطمى من القيروان فى 14 ربيع الآخر 358 هـ / 5 فبراير 969 م تصحبه بعض القطع البحرية فأستولى على الإسكندرية ثم واصل زحفه إلى الجيزة فوصلها فى 17 شعبان من نفس السنة ثم عبر مخاضة فى النيل وقضى على المقاومة الإخشيدية التى أعدت لقتاله على الضفة الشرقية للنيل ودخل مدينة الفسطاط ظافراً. عسكر جوهر بجيشه فى الموضع الذى أنشأ فيه مدينة القاهرة وهو السهل الرملى الواقع فى شمال شرق الفسطاط وكان ذلك لغرض حربى وهو تغطية المدينة الثلاثية : الفسطاط والعسكر والقطائع وحمايتها من غارات أبناء عمومتهم القرامطة فى جنوب الشام ولعل هذه الصفة الحربية والحراسة القوية التى كانت عليها مدينة القاهرة كدار خلافة هى التى أعطتها هذه الصفة التى عرفت بها وهى " القاهرة المحروسة " واقترن اسم جوهر ببناء الجامع الأزهر فى القاهرة وتم أفتتاحه للصلاة فى يوم الجمعة 7 رمضان سنة 361 هـ
وهكذا تحولت مصر بعد الفتح الفاطمى إلى مركز قيادى مستقل فى العالم العربى وقد أندمجت الدولة الفاطمية فى الحياة المصرية وكان لها أثر كبير فى توحيد عناصر الأمة المصرية ونضوج شخصيتها لأنها كانت دولة متسامحة إلى حدود بعيدة وساوت بين المسلم والقبطى واليهودى مما ساعد على مزج العناصر المصرية بعضها ببعض كما ساعد على إزدهار الحياة الإقتصادية والفنية بالبلاد
وكانت مصر فى العصر الفاطمة مقسمة إلى أربع كور أو ولايات كبيرة هى
ولاية قوص وكانت أعظم ولايات مصر لأن عاملها يحكم جميع بلاد الصعيد
ولاية الشرقية وكان عاملها يحكم منطقة بلبيس وقليوب واشموم
ولاية الغربية ويلى عاملها المحلة ومنوف وأبيار
ولاية الإسكندرية ويلى عاملها اقليم البحيرة كله
وقد صارت الإسكندرية فى العصر الفاطمى أهم قاعدة بحرية فى شرق حوض البحر المتوسط على الصعيدين الحربى والإقتصادى . اما من الناحية الإقتصادية فقد جمعت الإسكندرية بين مزايا الزراعة والصناعة والتجارة وراجت فيها زراعة النباتات الزيتية واستخراج زيت الشيرج من السمسم وزيت الزيتون من الزيتون إلى جانب صناعة الصابون والشمع والتحف الزجاجية والمنسوجات الكتانية كذلك يلاحظ أن استمرار تبعية جزيرة صقلية للدولة الفاطمية قد ساعد فى أزدياد النشاط التجارى السكندرى فى حوض البحر المتوسط مما جعلها مركزاً تجارياً عالمياً أيام الفاطميين
انفردت مدينة الإسكندرية بين المدن المصرية بشخصية مميزة فى سماتها ومعالمها وموقعها وثقافة ولهجة أهلها على مر العصور ومن أمثلة ذلك
أولاً : احتفظت شوارع الإسكندرية فى العصر الفاطمى بتخطيطها القديم من حيث الإستقامة والإتساع والامتداد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بحيث تتقاطع فى زوايا قائمة على شكل رقعة الشطرنج هذا إلى جانب منارة الإسكندرية وعمود السوارى
ثانياً : تميزت الإسكندرية بموقع جغرافى فريد جعلها ترتبط ببلاد البحر المتوسط إلى درجة أن الاغريق والرومان نظروا إليها ككيان خاص إلى جانب مصر فوصفوها بقولهم Alexandria ad Aeegyptum أى الإسكندرية المتاخمة لمصر أو القريبة من مصر وهو وصف صادق ظلت الإسكندرية تتميز به إلى عصورنا
ثالثاً : انفردت الإسكندرية بملامح مغربية مميزة دونا عن غيرها من المدن المصرية وقد أطلق عليها " باب المغرب " لأنها كانت معبراً للمغاربة القادمين والعائدين والمقيمين بقصد الحج أو العلم أو التجارة أو الزيارة وكانت الإسكندرية أول مدينة مصرية انشئت فيها المدارس السنية فى أواخر العصر الفاطمى مثل المدرسة الحافظية والمدرسة السلفية
رابعاً : نعمت مدينة الإسكندرية فى العصر الفاطمى بالرخاء وافزدهار وتمتع أعيانها وتجارها وعلية القوم فيها بحياة رغدة مترفة دفعتهم إلى البناء والتشييد حتى أصبحت المدينة تزخر بالقصور الفخمة الشامخة والبساتين الأنيقة والمتنزهات النضرة ذات النافورات الكبيرة
وأخيراً انتهت الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبى السنى الذى كان يخشى من قيام ثورة شيعية فى البلاد ولهذا عمد إلى تجربة أولية فى أحد المساجد فتمت دون أن يحتج أحد عندئذ أمر بتعميم الدعوة للخليفة العباسى
هكذا زالت الخلافة الفاطمية زوالاً هادئاً وكان الخليفة العاضد فى ذلك الوقت مريضاً ومات بعد هذا الحادث بثلاثة أيام دون أن يعلم أن الدولة الفاطمية قد زالت رسمياً